فصل: مسألة: سجدتي سورة الحج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ فإن صلى جماعة عراة كان الإمام معهم في الصف وسطا يومئون إيماء ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم وجملة ذلك أن الجماعة مشروعة للعراة وبه قال قتادة وقال مالك‏,‏ والأوزاعي وأصحاب الرأي‏:‏ يصلون فرادى قال مالك‏:‏ ويتباعد بعضهم من بعض وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة ويتقدمهم إمامهم وقال الشافعي في القديم كقولهم وقال في موضع آخر‏:‏ الجماعة والانفراد سواء لأن في الجماعة الإخلال بسنة الموقف‏,‏ وفي الانفراد الإخلال بفضيلة الجماعة فيستويان ووافقنا في أن إمامهم يقوم وسطهم على مشروعية الجماعة للنساء العراة لأن موقف إمامتهن في وسطهن‏,‏ فما حصل في حقهن إخلال بفضيلة الموقف ووافقنا في الرجال إذا كان معهم مكتس يصلح أن يؤمهم ولنا‏,‏ أنه يمكنهم الجماعة من غير ضرر فلزمهم كالمستترين وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة‏)‏ عام في كل مصل‏,‏ ولا تسقط الجماعة لتعذر سببها في الموقف كما لو كانوا في مكان ضيق لا يمكن أن يتقدمهم إمامهم وإذا شرعت الجماعة لعراة النساء مع أن الستر في حقهن آكد‏,‏ والجماعة في حقهن أخف فللرجال أولى وأحرى وغض البصر يحصل بكونهم صفا واحدا‏,‏ يستر بعضهم بعضا إذا ثبت هذا فإنهم يصلون صفا واحدا ويكون إمامهم في وسطهم‏,‏ ليكون أستر له وأغض لأبصارهم عنه وكذلك سن لإمامة النساء القيام وسطهن في كل حال لأنهن عورات فإن كان مع الرجال نساء عراة تنحين عنهم لئلا يرى بعضهم بعضا‏,‏ ويصلين جماعة أيضا كالرجال إلا أن الجماعة في حقهن أدنى منها في حق الرجال كما لو كانوا غير عراة فإن كان الجميع في مجلس‏,‏ أو في مكان ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء‏,‏ ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال لئلا يرى بعضهم عورات بعض فإن كان الرجال لا يسعهم صف واحد والنساء وقفوا صفوفا وغضوا أبصارهم عمن بين أيديهم لأنه موضع ضرورة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ وقد روي عن أبي عبد الله -رحمه الله- ‏,‏ رواية أخرى أنهم يسجدون بالأرض اختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- في العراة إذا صلوا قعودا فروى عنه أنهم يومئون بالركوع والسجود لأن القيام سقط عنهم لحفظ عوراتهم‏,‏ فيسقط السجود لأن ظهورها بالسجود أكثر وأفحش فوجب أن يسقط وروى أنهم يسجدون بالأرض لأن السجود آكد من القيام لكونه مقصودا في نفسه ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام‏,‏ وهو صلاة النافلة فلهذا لم يسقط وقد اختلف عن أحمد في القيام أيضا فروى عنه أن العراة يصلون قياما‏,‏ فإنه قال في العراة‏:‏ يقوم إمامهم في وسطهم وروى عنه الأثرم أنه قال‏:‏ إن توارى بعضهم ببعض فصلوا قياما فهذا لا بأس به قيل‏:‏ فيومئون أم يسجدون‏؟‏ قال‏:‏ سبحان الله السجود لا بد منه فهذا يدل على أن السجود لا يسقط‏,‏ وأن الأفضل القيام في الخلوة إلا أن الخلال قال‏:‏ هذا توهم من الأثرم ومعنى قوله‏:‏ يقوم في وسطهم كقوله تعالى‏:‏ ‏[‏إلا ما دمت عليه قائما‏]‏ لم يرد به القيام على رجل‏.‏

فصل

فإن كان مع العراة واحد له ثوب‏,‏ لزمته الصلاة فيه لأنه قادر على السترة فإن أعاره وصلى عريانا لم تصح صلاته لتركه الواجب عليه ويستحب أن يعيره بعد صلاته فيه لغيره‏,‏ ليصلى فيه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وتعاونوا على البر والتقوى‏}‏ ولا يجب عليه ذلك بخلاف ما لو كان معه طعام فاضل عن حاجته ووجد من به ضرورة‏,‏ لزم إعطاؤه إياه لأنها حال ضرورة فإذا بذله لهم صلى فيه واحد بعد واحد ولم تجز لهم الصلاة عراة لأنهم قادرون على الستر‏,‏ إلا أن يخافوا ضيق الوقت فيصلى فيه واحد والباقون عراة وقال الشافعي‏:‏ لا يصلي أحد عريانا وينتظر الثوب وإن خرج الوقت ولا يصح فإن الوقت آكد من القيام‏,‏ بدليل ما لو كانوا في سفينة في موضع ضيق لا يمكن جميعهم الصلاة فيه قياما صلى واحد بعد واحد إلا أن يخافوا فوات الوقت فيصلون قعودا‏,‏ نص الشافعي على هذا والقيام آكد من السترة عنده وعلى رواية لنا والوجه الآخر أقيس عندي فإن المحافظة على الشرط مع إمكانه أولى مع إدراك الوقت‏,‏ بدليل ما لو جد ما لا يمكنه استعماله إلا بعد فوات الوقت أو سترة يخاف فوات الوقت إن تشاغل بالمخشى إليها والاستتار بها فأولى أن يكون الوقت مقدما على الستر فإن امتنع صاحب الثوب من إعارتهم‏,‏ أو ضاق الوقت عن أكثر من صلاة فالمستحب أن يؤمهم صاحب الثوب ويقف بين أيديهم فإن كان أميا وهم قراء‏,‏ صلى الباقون جماعة على ما أسلفنا قال القاضي‏:‏ يصلي هو منفردا وإذا أراد صاحب الثوب إعارة ثوبه ومعهم نساء‏,‏ استحب أن يبدأ بهن لأنهن آكد في الستر وإذا صلين فيه أخذه فإذا تضايق الوقت وفيهم قارئ فالمستحب أن يبدأ به ليكون إمامهم وإن أعاده لغير القارئ صار حكمه كحكم صاحب الثوب فإن استووا‏,‏ ولم يكن الثوب لواحد منهم أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة فهو أحق وإن لم يستووا فالأولى به من تستحب البداية بإعارته‏,‏ على ما ذكرنا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ومن كان في ماء وطين أومأ إيماء وجملة ذلك أنه إذا كان في الطين والمطر ولم يمكنه السجود على الأرض إلا بالتلوث بالطين والبلل بالماء فله الصلاة على دابته‏,‏ يومئ بالركوع والسجود وإن كان راجلا أومأ بالسجود أيضا ولم يلزمه السجود على الأرض قال الترمذي روى عن أنس بن مالك أنه صلى على دابته في ماء وطين وفعله جابر بن زيد‏,‏ وأمر به طاوس وعمارة بن غزية قال الترمذي‏:‏ والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول إسحاق وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا يجوز أن يصلي الفرد على الراحلة لأجل المطر لحديث أبي سعيد‏,‏ ولأن السجود والقيام من أركان الصلاة فلم يسقط بالمطر كبقية أركانها ‏.‏

ولنا ما روى يعلى بن أمية‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم‏,‏ والبلة من أسفل منهم فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على راحلته وأصحابه على ظهور دوابهم‏,‏ يومئون إيماء يجعلون السجود أخفض من الركوع‏)‏ رواه الأثرم والترمذي وقال‏:‏ تفرد به عمر بن الرماح البلخي‏,‏ وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم قال القاضي أبو يعلى‏:‏ سألت أبا عبد الله الدامغانى فقال‏:‏ مذهب أبي حنيفة أن يصلي على الراحلة في المطر والمرض وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا يجوز أن يصلي الفرض على الراحلة لأجل المطر والمرض وعن مالك كالمذهبين واحتج من منع ذلك بحديث أبي سعيد الخدري‏:‏ ‏(‏فأبصرت عيناى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين‏)‏ وهذا حديث صحيح ولنا‏,‏ ما رويناه من الحديث وفعل أنس قال أحمد -رحمه الله-‏:‏ قد صلى أنس وهو متوجه إلى سرابيط في يوم مطر المكتوبة على الدابة رواه الأثرم بإسناده وذكره الإمام أحمد‏,‏ ولم ينقل عن غيره خلافه فيكون إجماعا ولأن المطر عذر يبيح الجمع‏,‏ فأثر في أفعال الصلاة كالسفر يؤثر في القصر وأما حديث أبي سعيد فيحتمل أن الطين كان يسيرا لا يؤثر في تلويث الثياب‏.‏

فصل

فأما الصلاة على الراحلة لأجل المرض ففيه روايتان‏:‏ إحداهما يجوز اختارها أبو بكر لأن المشقة بالنزول في المرض أشد منها بالنزول في المطر‏,‏ فإذا أثر المطر في إباحة الصلاة على الراحلة فالمرض أولى والثانية لا يجوز ذلك واحتج لها أحمد بأن ابن عمر كان ينزل مرضاه ولأنه قادر على الصلاة أو على السجود فلم يجز تركه كغير المرض‏,‏ والفرق بينه وبين المطر أن النزول في المطر يبلل ثيابه ويلوثها ولا يتمكن من الصلاة بالمشقة‏,‏ ونزول المريض يؤثر في حصوله على الأرض وهو أسكن له وأمكن من كونه على الظهر وقد اختلفت جهة المشقة‏,‏ فالمشقة على المريض في نفس جهة النزول لا في الصلاة على الأرض والمشقة على الممطور في الصلاة على الأرض‏,‏ لا في النزول ومع هذا الاختلاف لا يصح الإلحاق فإن خاف المريض من النزول ضررا غير محتمل كالانقطاع عن الرفقة‏,‏ أو العجز عن الركوب أو زيادة المرض ونحو هذا‏,‏ صلى على الراحلة كما ذكرنا في صلاة الخوف‏.‏

فصل

ومتى صلى على الراحلة لمرض أو مطر فليس له ترك الاستقبال وهو ظاهر كلام الخرقي حيث قال‏:‏ ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نافلة‏,‏ إلا متوجها إلى الكعبة ولأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏}‏ ‏[‏سورة البقرة‏]‏ عام خرج منه حال الخوف في صلاة الفرض‏,‏ محافظة على بقاء النفس ففيما عداه يبقى الاستقبال لعموم الآية‏.‏

لباس المرأة في الصلاة

مسألة

قال‏:‏ وإذا انكشف من المرأة الحرة شيء سوى وجهها أعادت الصلاة لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة‏,‏ ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها وفي الكفين روايتان واختلف أهل العلم فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت‏,‏ وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة وقال أبو حنيفة‏:‏ القدمان ليسا من العورة لأنهما يظهران غالبا فهما كالوجه وإن انكشف من المرأة أقل من ربع شعرها أو ربع فخذها أو ربع بطنها لم تبطل صلاتها وقال مالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي‏:‏ جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها‏}‏ قال‏:‏ الوجه والكفين ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب‏)‏ ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما‏,‏ ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء وقال بعض أصحابنا‏:‏ المرأة كلها عورة لأنه قد روى في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏المرأة عورة‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح ولكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيته من المشقة‏,‏ وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة لأنه مجمع المحاسن وهذا قول أبي بكر الحارث بن هشام قال‏:‏ المرأة كلها عورة حتى ظفرها والدليل على وجوب تغطية القدمين ما روت ‏(‏أم سلمة قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أتصلى المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ إذا كان سابغا يغطى ظهور قدميها‏)‏ رواه أبو داود وقال‏:‏ وقفه جماعة على أم سلمة ووقفه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وروى ابن عمر‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا ينظر الله إلى من جر ذيله خيلاء فقالت أم سلمة‏:‏ كيف يصنع النساء بذيولهن‏؟‏ قال‏:‏ يرخين شبرا فقالت‏:‏ إذن تنكشف أقدامهن قال‏:‏ فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين‏,‏ ولأنه محل لا يجب كشفه في الإحرام فلم يجب كشفه في الصلاة كالساقين وما ذكروه من تقدير البطلان بزيادة على ربع العضو فتحكم لا دليل عليه والتقدير لا يصار إليه بمجرد الرأي‏,‏ وقد ثبت وجوب تغطية الرأس بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار‏)‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وبالإجماع على ما قدمناه فأما الكفان فقد ذكرنا فيهما روايتين‏:‏ إحداهما‏:‏ لا يجب سترهما لما ذكرنا والثانية‏:‏ يجب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏المرأة عورة‏)‏ وهذا عام إلا ما خصه الدليل وقول ابن عباس‏:‏ الوجه والكفان قد روى أبو حفص عن عبد الله بن مسعود خلافه‏,‏ قال‏:‏ ‏{‏ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها‏}‏ قال‏:‏ الثياب ولا يجب كشف الكفين في الإحرام إنما يحرم أن تلبس فيهما شيئا مصنوعا على قدرهما كما يحرم على الرجل لبس السراويل والذي يستر به عورته‏.‏

فصل

والمستحب أن تصلي المرأة في درع - وهو القميص‏,‏ لكنه سابغ يغطى قدميها - وخمار - يغطى رأسها وعنقها - وجلباب - وهو الملحفة‏,‏ تلتحف به من فوق الدرع - روى نحو ذلك عن عمر وابنه وعائشة‏,‏ وعبيدة السلماني وعطاء وهو قول الشافعي قال أحمد‏:‏ قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار‏,‏ وما زاد فهو خير وأستر ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها‏,‏ فتبين عجيزتها ومواضع عوراتها المغلظة‏.‏

فصل

ويجزئها من اللباس الستر الواجب على ما بينا بحديث ‏(‏أم سلمة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أتصلى المرأة في درع وخمار‏,‏ ليس عليها إزار‏؟‏ قال‏:‏ نعم إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها‏)‏ وقد روي عن ميمونة وأم سلمة‏,‏ أنهما كانتا تصليان في درع وخمار ليس عليهما إزار رواه مالك في الموطأ وقال أحمد‏:‏ قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار ولأنها سترت ما يجب عليها ستره‏,‏ فأجزأتها صلاتها كالرجل‏.‏

فصل

فإن انكشف من المرأة شيء يسير من غير الوجه والكفين فلا أعلم فيها قولا صحيحا صريحا وظاهر قول الخرقي ‏"‏ إذا انكشف من المرأة الحرة شيء سوى وجهها وكفيها أعادت ‏"‏ يقتضي بطلان الصلاة بانكشاف اليسير لأنه شيء يمكن حمل ذلك على الكثير لما قررنا في عورة الرجل أنه يعفى فيها عن اليسير فكذا ها هنا ولأنه يشق التحرز من اليسير‏,‏ فعفي عنه قياسا على يسير عورة الرجل‏.‏

فصل

ويكره أن تنتقب المرأة وهي تصلي لأنه يخل بمباشرة المصلى بجبهتها وأنفها ويجرى مجرى تغطية الفم للرجل وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عنه قال ابن عبد البر وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام‏.‏

فصل

قال‏:‏ وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة هذا قول عامة أهل العلم لا نعلم أحدا خالف في هذا إلا الحسن‏,‏ فإنه من بين أهل العلم أوجب عليها الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه واستحب لها عطاء أن تقنع إذا صلت‏,‏ ولم يوجبه ولنا أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة وقال‏:‏ اكشفى رأسك‏,‏ ولا تشبهى بالحرائر وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا بين الصحابة لا ينكر حتى أنكر عمر مخالفته كان ينهى الإماء عن التقنع قال أبو قلابة‏:‏ إن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال‏:‏ إنما القناع للحرائر‏.‏

فصل

لم يذكر الخرقي‏,‏ -رحمه الله- عنه سوى كشف الرأس وهو المنصوص عن أحمد -رحمه الله- ‏,‏ في رواية عبد الله فقال‏:‏ وإن صلت الأمة مكشوفة الرأس فلا بأس واختلف أصحابنا فيما عدا ذلك‏,‏ فقال ابن حامد عورتها كعورة الرجل وقد لوح إليه -رحمه الله- ‏,‏ وقال القاضي في المجرد‏:‏ إن انكشف منها في الصلاة ما بين السرة والركبة فالصلاة باطلة وإن انكشف ما عدا ذلك فالصلاة صحيحة وقال في الجامع‏:‏ عورة الأمة ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين‏,‏ والرجلين إلى الركبتين واحتج عليه بقول أحمد‏:‏ لا بأس أن يقلب الرجل الجارية إذا أراد الشراء من فوق الثوب ويكشف الذراعين والساقين ولأن هذا يظهر عادة عند الخدمة والتقليب للشراء‏,‏ فلم يكن عورة كالرأس وما سواه لا يظهر عادة ولا تدعو الحاجة إلى كشفه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي‏,‏ والأظهر عنهم مثل قول ابن حامد لما روي عن أبي موسى أنه قال على المنبر‏:‏ ألا لا أعرف أحدا أراد أن يشترى جارية فينظر إلى ما فوق الركبة أو دون السرة‏,‏ لا يفعل ذلك أحد إلا عاقبته وقد ذكرنا حديث الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته‏)‏ فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة يريد الأمة فإن الأجير والعبد لا ينظر إلى ذلك منه مزوجا وغير مزوج ولأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل‏.‏

فصل

والمكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالأمة القن فيما ذكرناه لأنهن إماء يجوز بيعهن وعتقهن فأما المعتق بعضها فيحتمل وجهين أحدهما أنها كالحرة احتياطا للعبادة والثاني كالأمة‏,‏ لعدم الحرية الكاملة ولذلك ضمنت بالقيمة‏.‏

فصل

والخنثى المشكل كالرجل لأن ستر ما زاد على عورة الرجل محتمل فلا توجب عليه حكما أمر محتمل متردد وعلى قولنا‏:‏ العورة الفرجان اللذان في قبله لأن أحدهما فرج حقيقي‏,‏ وليس يمكنه تغطيته يقينا إلا بتغطيتهما فوجب عليه ذلك كما يجب ستر ما قرب من الفرجين‏,‏ ضرورة سترهما‏.‏

فصل

إذا تلبست الأمة بالصلاة مكشوفة الرأس فعتقت في أثنائها فهي كالعريان يجد السترة في أثناء صلاته‏,‏ إن أمكنها أو أمكنه السترة من غير زمن طويل ولا عمل كثير ستر‏,‏ وبنى على ما مضى من الصلاة كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وبنوا وإن لم يمكن الستر إلا بعمل كثير أو زمن طويل‏,‏ بطلت الصلاة إذ لا يمكن المضى فيها لكون السترة شرطا مع القدرة ووجدت القدرة‏,‏ ولا يمكن العمل في الصلاة كثيرا لأنه ينافيها فيبطلها والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف من غير تقدير بالخطوة والخطوتين وذكر القاضي فيمن وجدت من يناولها السترة فانتظرت احتمالين‏:‏ أحدهما‏:‏ تبطل صلاتها والثاني‏:‏ لا تبطل لأن الجميع انتظار واحد والأول أولى لأن الفصل‏:‏ طال عليها وهي بادية العورة بعد القدرة على الستر‏,‏ فلم تصح صلاتها كما لو لم تكن منتظرة فإن لم تعلم بالعتق حتى أتمت صلاتها لم تصح لأنها صلت عارية جهلا بوجوب الستر‏,‏ فلم تصح كما لو علمت العتق وجهلت الحكم وإن عتقت ولم تجد ما تستتر به صحت صلاتها لأنها لا تزيد على الحرة الأصلية العاجزة عن الاستتار‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ويستحب لأم الولد أن تغطى رأسها في الصلاة وجملة ذلك أن أم الولد كالأمة في صلاتها وسترتها‏,‏ صرح بها الخرقي في عتق أمهات الأولاد فقال‏:‏ وإن صلت مكشوفة الرأس كره لها ذلك وأجزأها وممن لم يوجب عليها تغطية رأسها النخعي ومالك‏,‏ والشافعي وأبو ثور وقد نقل الأثرم عن أحمد أنه سأله كيف تصلي أم الولد‏؟‏ قال‏:‏ تغطى شعرها وقدمها لأنها لا تباع وهي تصلي كما تصلي الحرة فهذا يحتمل أن يكون على الاستحباب‏,‏ فيكون كما ذكر الخرقي ويحتمل أن يجرى على ظاهره في الوجوب لأنها لا تباع ولا ينقل الملك فيها‏,‏ فأشبهت الحرة وقد انعقد سبب حريتها بحيث لا يمكن إبطاله فغلب فيها حكم الحرية في العبادة‏,‏ والأول أولى لأنها أمة حكمها حكم الإماء إلا في أنها لا ينقل الملك فيها‏,‏ فهي كالموقوفة وانعقاد السبب للحرية لا يوجب الستر كالكتابة والتدبير‏,‏ ولكن يستحب لها الستر ويكره لها كشف الرأس لما فيها من الشبه بالحرائر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ومن ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى‏,‏ أتمها وقضى المذكورة وأعاد التي كان فيها إذا كان الوقت مبقى وجملة ذلك‏,‏ أن الترتيب واجب في قضاء الفوائت نص عليه أحمد في مواضع قال في رواية أبي داود فيمن ترك صلاة سنة‏:‏ يصليها ويعيد كل صلاة صلاها وهو ذاكر لما ترك من الصلاة وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه ما يدل على وجوب الترتيب‏,‏ ونحوه عن النخعي والزهري وربيعة‏,‏ ويحيى الأنصاري ومالك والليث‏,‏ وأبي حنيفة وإسحاق وقال الشافعي‏:‏ لا يجب لأن قضاء الفريضة فائتة فلا يجب الترتيب فيه‏,‏ كالصيام ‏.‏

ولنا ما روى‏:‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- فاته يوم الخندق أربع صلوات فقضاهن مرتبات وقال‏:‏ ‏(‏صلوا كما رأيتمونى أصلي‏)‏ وروى الإمام أحمد‏,‏ بإسناده عن أبي جمعة حبيب بن سباع وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إن النبي - صلى الله عليه وسلم- عام الأحزاب صلى المغرب‏,‏ فلما فرغ قال‏:‏ هل علم أحد منكم إني صليت العصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب‏)‏ وهذا يدل على وجوب الترتيب وروى أبو حفص بإسناده عن نافع‏,‏ عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي‏,‏ ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام‏)‏ رواه أبو يعلى الموصلى في مسنده بإسناد حسن وروى موقوفا عن ابن عمر ولأنهما صلاتان مؤقتتان‏,‏ فوجب الترتيب فيهما كالمجموعتين إذا ثبت هذا فإنه يجب الترتيب فيها وإن كثرت وقد نص عليه أحمد وقال مالك‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة ولأن اعتباره فيما زاد على ذلك يشق ويفضى إلى الدخول في التكرار فسقط‏,‏ كالترتيب في قضاء صيام رمضان ولنا أنها صلوات واجبات تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها الترتيب كالخمس‏,‏ وإفضاؤه إلى التكرار لا يمنع وجوب الترتيب كترتيب الركوع على السجود وهذا الترتيب شرط في الصلاة‏,‏ فلو أخل به لم تصح صلاته بدليل ما ذكرناه من حديث أبي جمعة وحديث ابن عمر‏,‏ ولأنه ترتيب واجب في الصلاة فكان شرطا لصحتها كترتيب المجموعتين‏,‏ والركوع والسجود إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب وهي إذا أحرم بالحاضرة ثم ذكر في أثنائها أن عليه فائتة‏,‏ والوقت متسع فإنه يتمها ويقضى الفائتة‏,‏ ثم يعيد الصلاة التي كان فيها سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا هذا ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر وهو قول ابن عمر‏,‏ ومالك والليث وإسحاق‏,‏ في المأموم وهو الذي نقله الجماعة عن أحمد في المأموم ونقل عنه جماعة في المنفرد أنه يقطع الصلاة ويقضى الفائتة وهو قول النخعي‏,‏ والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري في المنفرد وغيره‏,‏ وروى حرب عن أحمد في الإمام‏:‏ ينصرف ويستأنف المأمومون قال أبو بكر‏:‏ لا ينقلها غير حرب‏,‏ وقد نقل عنه في المأموم أنه يقطع وفي المنفرد‏,‏ أنه يتم الصلاة وكذلك حكم الإمام يجب أن يكون مثله فيكون في الجميع أداء روايتان إحداهما يتمها وقال طاوس والحسن والشافعي وأبو ثور‏:‏ يتم صلاته ويقضى الفائتة لا غير ولنا على وجوب الإعادة‏,‏ حديث ابن عمر وحديث أبي جمعة ولأنه ترتيب واجب‏,‏ فوجب اشتراطه لصحة الصلاة كترتيب المجموعتين ولنا على أنه يتم الصلاة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تبطلوا أعمالكم‏}‏ وحديث ابن عمر وحديث أبي جمعة أيضا‏,‏ قال‏:‏ يتعين حمله على أنه ذكرها وهو في الصلاة فإنه لو نسيها حتى يفرغ من الصلاة لم يجب قضاؤها ولأنها صلاة ذكر فيها فائتة‏,‏ فلم تفسد كما لو كان مأموما فإن ظاهر المذهب أنه يمضى فيها قال أبو بكر‏:‏ لا يختلف كلام أحمد إذا كان وراء الإمام‏,‏ أنه يمضى مع الإمام ويعيدهما جميعا ‏"‏ واختلف قوله إذا كان وحده قال‏:‏ والذي أقول‏,‏ أنه يمضى لأنه يشنع أن يقطع ما دخل فيه قبل أن يتمه فإن مضى الإمام في صلاته بعد ذكره‏,‏ انبنت صلاة المأمومين على ائتمام المفترض بالمتنفل والأولى أن ذلك يصح لما سنذكره فيما بعد -إن شاء الله تعالى- وإذا قلنا‏:‏ يمضى في صلاته فليس ذلك بواجب فإن الصلاة تصير نفلا فلا يلزم ائتمامه قال مهنا‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ إني كنت في صلاة العتمة‏,‏ فذكرت إني لم أكن صليت المغرب فصليت العتمة ثم أعدت المغرب والعتمة‏؟‏ قال‏:‏ أصبت فقلت‏:‏ أليس كان ينبغي أن أخرج حين ذكرتها‏؟‏ قال‏:‏ بلى قلت‏:‏ فكيف أصبت‏؟‏ قال‏:‏ كل جائز‏.‏

فصل

وقول الخرقي‏:‏ ‏"‏ ومن ذكر صلاة وهو في أخرى ‏"‏ يدل على أنه متى صلى ناسيا للفائتة أن صلاته صحيحة وقد نص أحمد على هذا في رواية الجماعة‏,‏ قال‏:‏ متى ذكر الفائتة وقد سلم أجزأته ويقضى الفائتة وقال مالك‏:‏ يجب الترتيب مع النسيان ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بحديث أبي جمعة وبالقياس على المجموعتين ولنا‏,‏ عموم قوله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان‏)‏ ولأن المنسية ليس عليها أمارة فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام وأما حديث أبي جمعة‏,‏ فإنه من رواية ابن لهيعة وفيه ضعف ويحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ذكرها وهو في الصلاة وأما المجموعتان فإنما لم يعذر بالنسيان لأن عليهما أمارة‏,‏ وهو اجتماع الجماعة بخلاف مسألتنا ولا فرق بين أن يكون قد سبق منه ذكر الفائتة أو لم يسبق منه لها ذكر‏,‏ نص عليه أحمد لعموم ما ذكرناه من الدليل والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن خشى خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها وقد أجزأته‏]‏ يعنى إذا خشى فوات الوقت‏,‏ قبل قضاء الفائتة وإعادة التي هو فيها سقط عنه الترتيب حينئذ‏,‏ ويتم صلاته ويقضى الفائتة حسب وقوله ‏"‏ اعتقد أن لا يعيدها ‏"‏ يعنى لا يغير نيته عن الفرضية ولا يعتقد أنه يعيدها هذا هو الصحيح في المذهب‏,‏ وكذلك لو لم يكن دخل فيها لكن لم يبق من وقتها قدر يصليهما جميعا فيه فإنه يسقط الترتيب‏,‏ ويقدم الحاضرة وهو قول سعيد بن المسيب والحسن‏,‏ والأوزاعي والثوري وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن الترتيب واجب مع سعة الوقت وضيقه اختارها الخلال وهو مذهب عطاء والزهري‏,‏ والليث ومالك ولا فرق بين أن تكون الحاضرة جمعة أو غيرها قال أبو حفص‏:‏ هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة فإما أن يكون غلطا في النقل‏,‏ وإما أن يكون قولا قديما لأبي عبد الله وقال القاضي‏:‏ وعندى أن المسألة رواية واحدة أن الترتيب يسقط لأنه قال في رواية مهنا في رجل نسي صلاة وهو في المسجد يوم الجمعة عند حضور الجمعة‏:‏ يبدأ بالجمعة‏,‏ هذه يخاف فوتها فقيل له‏:‏ كنت أحفظ عنك أنه إذا صلى وهو ذاكر لصلاة فائتة أنه يعيد هذه وهذه فقال‏:‏ كنت أقول هذا فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول وفيه رواية ثالثة إن كان وقت الحاضرة يتسع لقضاء الفوائت وجب الترتيب وإن كان لا يتسع سقط الترتيب في أول وقتها نقل ابن منصور في من يقضى صلوات فوائت‏,‏ فتحضر صلاة أيؤخرها إلى آخر الوقت فإذا صلاها يعيدها‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏,‏ بل يصليها في الجماعة إذا حضرت إذا كان لا يطمع أن يقضى الفوائت كلها إلى آخر وقت هذه الصلاة التي حضرت فإن طمع في ذلك قضى الفوائت‏,‏ ما لم يخش فوت هذه الصلاة ولا قضاء عليه إذا صلى مرة وهذه الرواية اختيار أبي حفص العكبرى وعلل القاضي هذه الرواية بأن الوقت لا يتسع لقضاء ما في الذمة وفعل الحاضرة‏,‏ فسقط الترتيب وإن كان يمكنه القضاء والشروع في أداء الحاضرة كذا ها هنا ويمكن أن تحمل هذه الرواية على أنه قدم الجماعة على الترتيب مشروطا لضيق الوقت عن قضاء الفوائت جميعها وقد ذكر بعض أصحابنا أن في تقديم الجماعة على الترتيب روايتين‏,‏ ولعله أشار إلى هذه الرواية فأما من ذهب إلى تقديم الترتيب بكل حال فحجته قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها‏)‏ وهذا عام في حال ضيق الوقت وسعته ولأنه ترتيب مستحق مع سعة الوقت فيستحق مع ضيقه‏,‏ كترتيب الركوع والسجود والطهارة ولنا أن الحاضرة صلاة ضاق وقتها عن أكثر منها فلم يجز له تأخيرها كما لو لم يكن عليه فائتة ولأن الحاضرة آكد من الفائتة‏,‏ بدليل أنه يقتل بتركها ويكفر على رواية ولا يحل له تأخيرها عن وقتها‏,‏ والفائتة بخلاف ذلك وقد ثبت ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما نام عن صلاة الفجر أخرها شيئا وأمرهم فاقتادوا رواحلهم‏)‏ ولأنه ركن من أركان الإسلام مؤقت‏,‏ فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة يخاف فواتها كالصيام وقوله عليه السلام ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها‏)‏ مخصوص بما إذا ذكرت فوائت فإنه لا يلزمه في الحال إلا الأولى فنقيس عليه ما إذا اجتمعت حاضرة - يخاف فوتها - وفائتة لتأكد الحاضرة بما بيناه فإن قيل‏:‏ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن عليه صلاة‏)‏ قلنا‏:‏ هذا الحديث لا أصل له قال إبراهيم الحربى‏:‏ قيل لأحمد‏:‏ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا صلاة لمن عليه صلاة‏)‏ فقال‏:‏ لا أعرف هذا اللفظ قال إبراهيم‏:‏ ولا سمعت بهذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعلى هذه الرواية‏,‏ يبدأ فيقضى الفوائت على الترتيب حتى إذا خاف فوت الحاضرة صلاها ثم عاد إلى قضاء الفوائت نص أحمد على هذا فإن حضرت جماعة في صلاة الحاضرة‏,‏ فقال أحمد في رواية أبي داود في من عليه صلوات فائتة فأدركته الظهر‏,‏ ولم يفرغ من الصلوات‏:‏ يصلي مع الإمام الظهر ويحسبها من الفوائت ويصلى الظهر في آخر الوقت فإن كان عليه عصر وأقيمت صلاة الظهر‏,‏ فقد ذكر بعض أصحابنا في من عليه فائتة وخشى فوات الجماعة روايتين إحداهما‏,‏ يسقط الترتيب لأنه اجتمع واجبان الترتيب والجماعة ولا بد من تفويت أحدهما‏,‏ فكان مخيرا فيهما فأما على الرواية التي ذكرناها في جواز تقديم الحاضرة على الفوائت إذا كثرت في أول وقتها‏,‏ فإنه يصلي الحاضرة مع الجماعة متى حضرت ولا يحتاج إلى إعادتها وهذا أحسن وأصح -إن شاء الله تعالى- والثانية لا يسقط الترتيب لأنه آكد من الجماعة بدليل اشتراطه لصحة الصلاة بخلاف الجماعة‏,‏ وهذا ظاهر المذهب فإن أراد أن يصلي العصر الفائتة خلف من يؤدى الظهر ابتنى ذلك على جواز ائتمام من يصلي العصر خلف من يصلي الظهر وفيه روايتان سنذكرهما -إن شاء الله تعالى- قال أحمد في من ترك صلاة سنين‏:‏ يعيدها‏,‏ فإذا جاء وقت صلاة مكتوبة صلاها ويجعلها من الفوائت التي يعيدها ويصلى الظهر في آخر الوقت وقال‏:‏ لا يصلي مكتوبة إلا في آخر وقتها حتى يقضى التي عليه من الصلوات‏.‏

فصل

إذا ترك ظهرا وعصرا من يومين‏,‏ لا يدرى أيهما أولا ففي ذلك روايتان‏:‏ إحداهما أنه يجزئ أن يتحرى أيهما نسي أولا فيقضيها‏,‏ ثم يقضى الأخرى نقل الأثرم عن أحمد أنه يعمل على أكثر ذلك في نفسه ثم يقضى يعنى أنه يتحرى أيهما نسي أولا فيقضيها ثم يقضى الأخرى وهذا قول أبي يوسف ومحمد لأن الترتيب مما تبيح الضرورة تركه‏,‏ بدليل ما إذا تضايق الوقت أو نسي الفائتة فيدخله التحري كالقبلة والرواية الثانية‏:‏ أنه يصلي الظهر ثم العصر بغير تحر نقلها مهنا لأن التحري فيما فيه أمارة وهذا لا أمارة فيه يرجع إليها‏,‏ فرجع فيه إلى ترتيب الشرع ويحتمل أن يلزمه صلاة الظهر ثم العصر ثم الظهر أو العصر ثم الظهر ثم العصر لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين‏,‏ فلزمه كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وقد نقل أبو داود عن أحمد‏,‏ في رجل فرط في صلاة يوم العصر ويوم الظهر صلوات لا يعرفها قال‏:‏ يعيد حتى لا يكون في قلبه شيء وظاهر هذا أنه يقضى حتى يتيقن براءة ذمته وهذا مذهب أبي حنيفة‏.‏

فصل

ولا يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه‏,‏ وقال زفر‏:‏ يعذر بذلك ولنا أنه ترتيب واجب في الصلاة فلم يسقط بالجهل كالترتيب في المجموعتين والركوع والسجود ولأن الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم لا يسقط أحكامها كالجهل بتحريم الأكل في الصوم‏.‏

وجوب الترتيب

فصل

إذا كثرت الفوائت عليه يتشاغل بالقضاء‏,‏ ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله أما في بدنه فأن يضعف أو يخاف المرض وأما في المال فأن ينقطع عن التصرف في ماله‏,‏ بحيث ينقطع عن معاشه أو يستضر بذلك وقد نص أحمد على معنى هذا فإن لم يعلم قدر ما عليه فإنه يعيد حتى يتيقن براءة ذمته قال أحمد في رواية صالح في الرجل يضيع الصلاة‏:‏ يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما قد ضيع ويقتصر على قضاء الفرائض‏,‏ ولا يصلي بينها نوافل ولا سننها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فاتته أربع صلوات يوم الخندق فأمر بلالا فأقام فصلى الظهر‏,‏ ثم أمره فأقام فصلى العصر ثم أمره فأقام فصلى المغرب ثم أمره فأقام فصلى العشاء ولم يذكر أنه صلى بينهما سنة‏,‏ ولأن المفروضة أهم فالاشتغال بها أولى إلا أن تكون الصلوات يسيرة‏,‏ فلا بأس بقضاء سننها الرواتب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فاتته صلاة الفجر فقضى سنتها قبلها فصل‏:‏ وإن نسي صلاة من يوم‏,‏ لا يعلم عينها أعاد صلاة يوم وليلة نص عليه أحمد وهو قول أكثر أهل العلم وذلك لأن التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة ولا يتوصل إلى ذلك ها هنا إلا بإعادة الصلوات الخمس فلزمه‏.‏

فصل

وإذا نام في منزل في السفر‏,‏ فاستيقظ بعد خروج وقت الصلاة فالمستحب له أن ينتقل عن ذلك المنزل فيصلى في غيره نص عليه أحمد لما روى أبو هريرة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏عرسنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فإن هذا منزل حضر فيه الشيطان قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ‏,‏ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة‏)‏ وروى نحوه أبو قتادة‏,‏ وعمران بن حصين متفق عليها ويستحب أن يقضى ركعتى الفجر قبل الفريضة لما تقدم من الحديث فإن أراد التطوع بصلاة أخرى كره له ذلك وكذلك حكم الصوم‏,‏ لا يتطوع به وعليه فريضة فإن فعل صح تطوعه بدليل حديث ابن عمر في الذي ينسى فريضة فلا يذكرها إلا وراء الإمام فإنه يتممها‏,‏ فحكم له بصحتها فأما السنن الرواتب فلا يكره قضاؤها قبل الفرائض كما ذكرنا في ركعتى الفجر‏.‏

فصل

فإن أخر الصلاة لنوم أو غيره حتى خاف خروج الوقت إن تشاغل بركعتى الفجر‏,‏ فإنه يبدأ بالفرض ويؤخر الركعتين نص عليه أحمد في رواية جماعة منهم‏:‏ أبو الحارث‏,‏ نقل عنه إذا انتبه قبل طلوع الشمس وخاف أن تطلع الشمس بدأ بالفريضة فإنه إذا قدمت الحاضرة على الفائتة‏,‏ مع الإخلال بالترتيب الواجب مراعاة لوقت الحاضرة فتقديمها على السنة أولى وهكذا إن استيقظ لا يدرى أطلعت الشمس أو لا‏,‏ بدأ بالفريضة أيضا نص عليه أحمد لأن الأصل بقاء الوقت وإمكان الإتيان بالفريضة فيه‏.‏

فصل

ويستحب قضاء الفوائت في جماعة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق فاته أربع صلوات فقضاهن في جماعة‏,‏ وحديث أبي قتادة وغيره حين قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق عن صلاة الفجر هو وأصحابه فصلى بهم جماعة‏,‏ ولا يلزمه القضاء أكثر من مرة عند استيقاظه أو ذكره لها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينقل عنه أنه قضى غير مرة وقال عليه السلام ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‏)‏ لم يزد على ذلك‏,‏ وقد روى عمران بن حصين قال‏:‏ ‏(‏سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فعرس بنا من السحر فما استيقظنا إلا بحر الشمس قال‏:‏ فقام القوم دهشين مسرعين لما فاتهم من صلاتهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ اركبوا فركبنا‏,‏ فسرنا حتى طلعت الشمس ثم نزل ونزلنا وقضى القوم من حوائجهم‏,‏ وتوضئوا فأمر بلالا فأذن وصلى ركعتى الفجر‏,‏ وصلينا ثم أمره فأقام فصلى بنا‏,‏ فقلنا‏:‏ يا رسول الله ألا نصلى هذه الصلاة لوقتها‏؟‏ قال‏:‏ لا لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم رواه‏)‏ الأثرم واحتج به أحمد‏.‏

فصل

ومن أسلم في دار الحرب‏,‏ فترك صلوات أو صياما لا يعلم وجوبه لزمه قضاؤه وبذلك قال الشافعي وعند أبي حنيفة لا يلزمه ولنا أنها عبادة تجب مع العلم بها‏,‏ فلزمته مع الجهل كما لو كان في دار الإسلام‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويؤدب الغلام على الطهارة والصلاة إذا تمت له عشر سنين‏]‏ معنى التأديب الضرب والوعيد والتعنيف قال القاضي‏:‏ يجب على ولى الصبى أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين ويأمره بها‏,‏ ويلزمه أن يؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏علموا الصبى الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر‏)‏ رواه الأثرم وأبو داود والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن وهذا لفظ رواية الترمذي ولفظ حديث غيره‏:‏ ‏(‏مروا الصبى بالصلاة لسبع سنين واضربوه عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏ وهذا الأمر والتأديب المشروع في حق الصبى لتمرينه على الصلاة‏,‏ كي يألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ وليست واجبة عليه في ظاهر المذهب ومن أصحابنا من قال‏:‏ تجب عليه لهذا الحديث‏,‏ فإن العقوبة لا تشرع إلا لترك واجب ولأن حد الواجب‏:‏ ما عوقب على تركه ولأن أحمد قد نقل عنه في ابن أربع عشرة‏:‏ إذا ترك الصلاة يعيد ولعل أحمد‏,‏ -رحمه الله- أمر بذلك على طريق الاحتياط فإن الحديث قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رفع القلم عن ثلاث‏:‏ عن الصبى حتى يبلغ‏)‏ ولأنه صبي فلم يجب عليه كالصغير يحققه أن الصبى ضعيف العقل والبنية ولا بد من ضابط يضبط الحد الذي تتكامل فيه بنيته وعقله‏,‏ فإنه يتزايد تزايدا خفي التدريج فلا يعلم ذلك بنفسه والبلوغ ضابط لذلك‏,‏ ولهذا تجب به الحدود وتؤخذ به الجزية من الذمى إذا بلغه ويتعلق به أكثر أحكام التكليف‏,‏ فكذلك الصلاة وقول أحمد في ذلك يحمل على سبيل الاحتياط مخافة أن يكون قد بلغ ولهذا قيده بابن أربع عشرة‏,‏ ولو أراد ما قالوا لما اختص بابن أربع عشرة دون غيره وهذا التأديب ها هنا للتمرين والتعويد كالضرب على تعلم الخط والقرآن والصناعة وأشباهها ولا خلاف في أنها تصح من الصبى العاقل‏,‏ ولا فرق بين الذكر والأنثى فيما ذكرناه‏.‏

فصل

ويعتبر لصلاة الصبى من الشروط ما يعتبر في صلاة البالغ إلا أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار‏)‏ يدل على صحة صلاة غير الحائض بغير الخمار‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وسجود القرآن أربع عشرة سجدة‏]‏ المشهور في المذهب أن عزائم سجود القرآن أربع عشرة سجدة وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين والشافعي في أحد القولين وممن روى عنه أن في المفصل ثلاث سجدات أبو بكر‏,‏ وعلى وابن مسعود وعمار وأبو هريرة‏,‏ وابن عمر وعمر بن عبد العزيز وجماعة من التابعين وبه قال الثوري‏,‏ والشافعي وأبو حنيفة وإسحاق‏,‏ ‏,‏ وعن أحمد -رحمه الله- رواية أخرى‏,‏ أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ‏[‏ص‏]‏ وروى ذلك عن عقبة بن عامر وهو قول إسحاق لما روى ابن ماجه‏,‏ وأبو داود عن عمرو بن العاص ‏(‏‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان‏)‏ وقال مالك‏,‏ في رواية والشافعي في قول‏:‏ عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ليس منها شيء من المفصل قال ابن عبد البر‏:‏ هذا قول ابن عمر وابن عباس‏,‏ وسعيد بن المسيب وابن جبير والحسن‏,‏ وعكرمة ومجاهد وعطاء‏,‏ وطاوس ومالك وطائفة من أهل المدينة لأن أبا الدرداء قال‏:‏ ‏(‏سجدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- إحدى عشرة ليس فيها من المفصل شيء‏)‏ رواه ابن ماجه وروى ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة‏)‏ رواه أبو داود ولنا‏,‏ ما روى أبو رافع قال‏:‏ ‏(‏صليت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏ فسجد‏,‏ فقلت‏:‏ ما هذه السجدة‏؟‏ قال‏:‏ سجدت بها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم- فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه‏)‏ رواه البخاري ومسلم وأبو داود‏,‏ وابن ماجه والأثرم وروى مسلم وأبو داود‏,‏ وابن ماجه عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏ و ‏{‏اقرأ باسم ربك‏}‏‏)‏ وروى عبد الله بن مسعود ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة النجم فسجد فيها‏,‏ وما بقي أحد من القوم إلا سجد‏)‏ رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة سنة سبع‏,‏ وهو أولى من حديث ابن عباس لأنه إثبات ثم إن ترك السجود يدل على أنه ليس بواجب والسجود يدل على أنه مسنون‏,‏ ولا تعارض بينهما وحديث أبي الدرداء قال أبو داود إسناده واه ثم لا دلالة فيه إذ يجوز أن يكون سجود غير المفصل إحدى عشرة فيكون مع سجدات المفصل أربع عشرة‏.‏

فصل

فعلى الرواية الأولى ليست ‏"‏ ص ‏"‏ من عزائم السجود‏,‏ وهو قول علقمة والشافعي وروى ذلك عن ابن عباس‏,‏ وابن مسعود والرواية الثانية‏:‏ هي من العزائم وهو قول الحسن ومالك والأوزاعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي لحديث عمرو بن العاص وروي عن عمر وابنه وعثمان أنهم كانوا يسجدون فيها وروى أبو داود‏,‏ بإسناده عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سجد فيها وحديث أبي الدرداء يدل على أنه سجد فيها‏.‏

ولنا ما روى أبو داود‏,‏ عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها‏,‏ فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ إنما هي توبة نبي ولكنى رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل‏,‏ فسجد وسجدوا‏)‏ وروى أبو داود عن ابن عباس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سجد في ص وقال‏:‏ سجدها داود توبة‏,‏ ونحن نسجدها شكرا‏)‏ أخرجه النسائي وروى أبو داود عن ابن عباس قال‏:‏ ليس ‏"‏ ص ‏"‏ من عزائم السجود والحديث الذي ذكرناه للرواية الأخرى يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سجد فيها‏,‏ فيكون سجودا للشكر كما بينه في حديث ابن عباس‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏في الحج منها سجدتان‏]‏ وبهذا قال الشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر وممن كان يسجد في الحج سجدتين عمر وعلي‏,‏ وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء وأبو موسى‏,‏ وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية وزر وقال ابن عباس‏:‏ فضلت سورة الحج بسجدتين وقال الحسن‏,‏ وسعيد بن جبير وجابر بن زيد والنخعي‏,‏ ومالك وأبو حنيفة‏:‏ ليست الأخيرة سجدة لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود فقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا‏}‏ فلم تكن سجدة كقوله‏:‏ ‏{‏يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين‏}‏ ولنا حديث عمرو بن العاص‏,‏ الذي ذكرناه وروى أبو داود والأثرم عن عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ في سورة الحج سجدتان‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما‏)‏ وأيضا فإنه قول من سمينا من الصحابة لم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فيكون إجماعا وقال أبو إسحاق‏:‏ أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين وقال ابن عمر‏:‏ لو كنت تاركا إحداهما لتركت الأولى وذلك لأن الأولى إخبار والثانية أمر‏,‏ واتباع الأمر أولى وذكر الركوع لا يقتضي ترك السجود كما ذكر البكاء في قوله‏:‏

{‏خروا سجدا وبكيا‏}‏ وقوله‏:‏

{‏ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ‏}‏‏.‏

فصل

ومواضع السجود‏:‏ آخر الأعراف‏:‏ ‏{‏وله يسجدون‏}‏ وفي الرعد ‏{‏وظلالهم بالغدو والآصال‏}‏ وفي النحل‏:‏ ‏{‏ويفعلون ما يؤمرون‏}‏ وفي بنى إسرائيل‏:‏ ‏{‏ويزيدهم خشوعا‏}‏ وفي مريم‏:‏ ‏{‏خروا سجدا وبكيا‏}‏ وفي الحج‏:‏ ‏{‏إن الله يفعل ما يشاء‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وافعلوا الخير لعلكم تفلحون‏}‏ وفي الفرقان‏:‏ ‏{‏وزادهم نفورا‏}‏ وفي النمل‏:‏ ‏{‏رب العرش العظيم‏}‏ وفي الم السجدة‏:‏ ‏{‏وهم لا يستكبرون‏}‏ وفي حم تنزيل‏:‏ ‏{‏وهم لا يسأمون‏}‏ وآخر النجم‏:‏ ‏{‏فاسجدوا لله واعبدوا‏}‏ وفي الانشقاق‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون‏}‏ وآخر ‏{‏اقرأ باسم ربك‏}‏ وقال مالك‏:‏ السجود في حم عند‏:‏ ‏{‏إن كنتم إياه تعبدون‏}‏ لأن الأمر بالسجود هناك فيها ولنا أن تمام الكلام في الثانية‏,‏ فكان السجود بعدها كما في سورة النحل عند قوله‏:‏ ‏{‏ويفعلون ما يؤمرون‏}‏ وذكر السجود في التي قبلها كذا ها هنا‏.‏